سورة الليل - تفسير تفسير البغوي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الليل)


        


{وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى} أي يغشى النهار بظلمة فيذهب بضوئه. {وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى} بان وظهر من بين الظلمة. {وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالأنْثَى} يعني: ومن خلق، قيل هي {ما} المصدرية أي: وخلق الذكر والأنثى، قال مقاتل والكلبي: يعني آدم وحواء. وفي قراءة ابن مسعود، وأبي الدرداء: والذكر والأنثى. جواب القسم قوله: {إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى} إن أعمالكم لمختلفة، فساعٍ في فكاك نفسه، وساعٍ في عطبها.
روى أبو مالك الأشعري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كلّ، الناس يغدو فبائع نفسه فمعتقُها أو مُوِبقُها». {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى} ماله في سبيل الله، {وَاتَّقَى} ربه. {وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى} قال أبو عبد الرحمن السلمي والضحاك: وصدق بلا إله إلا الله، وهي رواية عطية عن ابن عباس.
وقال مجاهد: بالجنة دليله: قوله تعالى: {للذين أحسنوا الحسنى} يعني الجنة.
وقيل: {صدق بالحسنى}: أي بالخلف، أي أيقن أن الله تعالى سيخلفه. وهي رواية عكرمة عن ابن عباس.
وقال قتادة ومقاتل والكلبي: بموعود الله عز وجل الذي وعده أن يثيبه.


{فَسَنُيَسِّرُه} فسنهيئه في الدنيا، {لِلْيُسْرَى} أي للخَلَّة اليسرى، وهي العمل بما يرضاه الله عز وجل. {وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ} بالنفقة في الخير، {وَاسْتَغْنَى} عن ثواب الله فلم يرغب فيه {وَكَذَّبَ بِالحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى} سنهيئه للشر بأن نجريه على يديه حتى يعمل بما لا يرضي الله، فيستوجب به النار. قال مقاتل: نعسر عليه أن يأتي خيرًا.
وروينا عن علي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ما من نفس منفوسة إلا كتب الله مكانها من الجنة أو النار» فقال رجل: أفلا نتكل على كتابنا وندع العمل؟ قال: «لا ولكن اعملوا فكل ميسر لما خلق له، أما أهل الشقاء فييسرون لعمل أهل الشقاء، وأما أهل السعادة فييسرون لعمل أهل السعادة»، ثم تلا {فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى فسنيسره لليسرى وأما من بخل واستغنى وكذب بالحسنى فسنيسره للعسرى}.
قيل: نزلت في أبي بكر الصديق اشترى بلالا من أمية بن خلف ببردة وعشرة أواق، فأعتقه فأنزل الله تعالى: {والليل إذا يغشى} إلى قوله: {إن سعيكم لشتى} يعني: سعي أبي بكر وأمية.
وروى علي بن حجر عن إسحاق عن أبي نجيح عن عطاء، قال: كان لرجل من الأنصار نخلة وكان له جار يسقط من بلحها في دار جاره، وكان صبيانه يتناولون منه، فشكا ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: «بعنيها بنخلة في الجنة» فأبى، فخرج فلقيه أبو الدحداح، فقال له: هل لك أن تبيعها بحَشِ البستان، يعني حائطا له، فقال له: هي لك، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله أتشتريها مني بنخلة في الجنة؟ قال: «نعم» قال: هي لك، فدعا النبي صلى الله عليه وسلم جار الأنصاري فقال: «خذها». فأنزل الله تعالى: {والليل إذا يغشى} إلى قوله: {إن سعيكم لشتى} سعي أبي الدحداح والأنصاري صاحب النخلة.
{فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى} يعني أبا الدحداح، {وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى} الثواب {فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى} يعني الجنة، {وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى} يعني الأنصاري، {وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى} يعني الثواب، {فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى} يعني النار.


{وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ} الذي بخل به، {إِذَا تَرَدَّى} قال مجاهد: إذا مات. وقال قتادة وأبو صالح: هوى في جهنم. {إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى} يعني البيان. قال الزجَّاج: علينا أن نبين طريق الهدى من طريق الضلال، وهو قول قتادة، قال: على الله بيان حلاله وحرامه.
قال الفراء: يعني من سلك الهدى فعلى الله سبيله كقوله تعالى: {وعلى الله قصد السبيل} [النحل- 9] يقول: من أراد الله فهو على السبيل القاصد.
وقيل معناه: إن علينا للهدى والإضلال كقوله: {بيدك الخير} [آل عمران- 26] فاقتصر على الهدى لدلالة الكلام عليه كقوله: {سرابيل تقيكم الحر} [النحل- 81] فاقتصر على ذكر الحر ولم يذكر البرد لأنه يدل عليه. {وَإِنَّ لَنَا لَلآخِرَةَ وَالأولَى} فمن طلبهما من غير مالكهما فقد أخطأ الطريق. {فَأَنْذَرْتُكُم} يا أهل مكة، {نَارًا تَلَظَّى لا يَصْلاهَا إِلا الأشْقَى} أي: تتلظى، يعني تتوقد وتتوهج. {الَّذِي كَذَّبَ} الرسول، {وَتَوَلَّى} عن الإيمان. {وَسَيُجَنَّبُهَا الأتْقَى} يريد بالأشقى الشقي، وبالأتقى التقي.

1 | 2